بوصول دونالد ترامب لفترة رئاسية جديدة للولايات المتحدة الأمريكية يستعد العالم لأربع سنوات جديدة من المفاجآت والأخبار التي تبدو صادمة وغير منطقية. لم تتأخر تلك النوعية من الأخبار كثيراً، فبمجرد أن أُعلنت نتائج الانتخابات الأمريكية، وبات مؤكداً أن ترامب هو الرئيس، فقد بدأ الرجل في صدم العالم باختياراته لأعضاء إدارته وحاملي الحقائب الوزارية.
الصدمة الأبرز كانت من نصيب حقيبة وزارة الدفاع. فقد تناقلت الصحف العالمية حالة الصدمة لدى فريق ترامب، وعند مسئولي وزارة الدفاع كذلك بإعلان اسم بِيت هيجسيث وزيراً للدفاع. فلم يكن اختيار الرجل موجوداً في أي توقع سابقاً، لا عند الناخب العادي، ولا داخل وزارة الدفاع نفسها، وربما لدى فريق حملة ترامب أنفسهم.
لكن ربما لم يشاركهم ترامب المفاجأة. فترامب له علاقة طويلة مع هيجسيث، نشأت عبر استضافته المتكررة لدونالد ترامب في برنامجه. كما أشاد به ترامب أكثر من مرة، ومدح إلمامه بالأمور العسكرية وسيرته المهنية التي يراها ترامب قوية وملهمة.
وقد روت مصادر مطلعة على نقاشات ترامب أنه فكر في تعيينه في أحد المناصب الوزارية منذ الفترة الرئاسية السابقة، مثل وزارة شئون المحاربين القدامى. لكن جرى تحذير ترامب من صعوبة الحصول على إقرار الكونجرس لهذا التعيين.
ويبدو أن انبهار ترامب الشخصي بالرجل ظل مستمراً رغم مرور 4 سنوات تولى فيهم الديمقراطيون مقاليد الحكم. وقرر ترامب أن ينتصر لرغبته الشخصية. ويصرح قائلاً، «يشرفني أن أعلن أنني رشحت بيت هيجسيث للعمل في حكومتي وزيراً للدفاع. لقد أمضى بيت حياته كلها محارباً للقوات وللبلد. بيت قوي وذكي ومؤمن حقيقي بأمريكا أولاً. بوجود بيت على رأس القيادة، سيكون أعداء أمريكا قد أُنذروا» وأضاف، «قواتنا العسكرية ستكون عظيمة مجدداً، وأمريكا لن تتراجع أبداً».
يبلغ هيجسيث 44 عاماً، وتخرج في جامعة برينستون. وأكمل دراساته العليا في جامعة هارفارد. وفاز بنجمتين برونزيتين، إضافة إلى شارة المشاة القتالية. فهو رجل عسكري، خدم في الجيش الأمريكي لسنوات طويلة. وشارك في مهام في أفغانستان والعراق. كما تولى منصب الرئيس التنفيذ لمنظمة قدامى المحاربين، وهي مؤسسة أمريكية تُعنى بالمحاربين السابقين وكبار السن في الولايات المتحدة.
وقال الرجل في كتابه «الحرب على المحاربين»، الذي ظل طوال 9 أسابيع في قائمة أفضل الكتب مبيعاً في «نيويورك تايمز»، وقد كان على مدار أسبوعين منهم على رأس القائمة. أنه خدم في عهد الرؤساء السابقين جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب، وتم تكليف وحدته أيضاً بالعمل على حفل تنصيب الرئيس جو بايدن في 20 يناير 2021.
وبعد خروجه من المجال العسكري دخل الرجل إلى مجال الإعلام ثم السياسة. فمن عام 2014 إلى عام 2017 بات هو المحلل العسكري الأشهر على قناة «فوكس نيوز» الإخبارية، والمعروفة بميولها ناحية الجمهوريين عموماً، ودونالد ترامب خصوصاً. لا يبدو الأمر غريباً؛ فآراء هيجسيث تتناسب كثيراً مع آراء ترامب اليمينية.
فمثلاً في الكتاب الذي ألفه هيجسيث قال إنه يعارض تجنيد النساء في الجيش الأمريكي. وإنه إذا كان تجنيدهن ضرورة، فإنه يعارض وجود النساء في الأدوار القتالية أو المتعلقة بالمواجهات الميدانية. لأن ذلك يجعل الجيش الأمريكي أقل فعالية، في رأيه. كما أردف أن ذلك قد يكون له تأثير سلبي على كل المعايير داخل الجيش الأمريكي.
يقول، «أنا ببساطة أقول إنه يجب إيقاف ذلك، نحن لسنا بحاجة للنساء في الأدوار القتالية. ولم يجعلنا وجودهن أكثر فعالية، ولا أكثر فتكاً، وأصبح القتال نفسه أكثر تعقيداً»، لكنه أضاف توضيحاً في فقرة لاحقة أنه لا ينكر دور المرأة في الجيش بصفة عامة، لكنه عاد ليؤكد أن التاريخ يظهر أن الرجال في المناصب العسكرية عادةً ما يكونون أكثر تأهيلاً.
وأضاف، كذلك أنه لا ينبغي للجيش أن يشجع إدراج النساء في المناصب التي تتطلب بطبيعتها قوة بدنية غير عادية، مثل المقاتلين في الوحدات الخاصة كوحدة أسود البحر، والقوات الخاصة للجيش الأمريكي عموماً. وقال إنه من المستحيل إنكار وجود اختلافات فسيولوجية بين الرجل والمرأة . وأشار أيضاً إلى التوتر الذي قد ينشأ في الوحدات المختلطة جنسياً.
كذلك يعارض هيجسيث البرامج العسكرية التي تحاول دمج عديد من الأطياف البشرية داخل الجيش، مثل الحرص على وجود المُلونين، كما وصفهم ويقصد ذوي البشرة السمراء. يرى هيجسيث أن التركيز يجب أن يكون على معيار الكفاءة فحسب، وألا يتدخل أي عنصر آخر في اختيار الجندي أو عند إسناد المهام.
تلك الأسباب وحدها كافية لجعل الجميع مصدوماً من اختيار الرجل وزيراً للدفاع. لذلك يُتوقع أن يواجه ترامب عاصفة في مجلس الشيوخ من أجل إقرار تعيينه. صحيح أن المجلس تحت سيطرة الجمهوريين، لكن خسارة أي صوت جمهوري قد تعرقل خطوات ترامب، فالأغلبية التي حصدها الجمهوريون لا تحتمل التشتت في أي قضية ممكنة.
ليزا موركوفسكي النائبة الجمهورية عن ألاسكا، أعلنت عن دهشتها واستغرابها لهذا التعيين بكلمة واحدة «واو»، مما يوحي أنها في حالة من عدم التصديق قد تُفضي في المرحلة القادمة إلى معارضة تلك الخطوة. أما الجمهوريون الأكثر انضباطاً فلم يستطيعوا دعم الخطوة، لكنهم اكتفوا بالتصريح بأنهم يريدون معرفة المزيد عن رؤية هيجسيث، ومناقشة رؤيته في إدارة وزارة الدفاع، قبل أن يصوتوا له.
التخوف يأتي من كونه من خارج المؤسسة العسكرية حالياً، إضافة إلى أنه مشهور بتطرفه الشديد. وقد قال هيجسيث ذلك في حملته للترويج لكتابه، إن الناس يعتبرونه متطرفاً أو قومياً أبيض. هذه الصفات وُلدت بسبب الوشم الموجود على يده، وهو الصليب المعروف باسم الصليب الصليبي، نسبة إلى الحملات الصليبية، أو صليب القدس.
وهذا الرمز يحمل بالفعل أهمية تاريخية ودينية كبيرة. وتستخدمه بعض الدول في أعلامها حتى اليوم مثل جورجيا. وقد استولت عليه الجماعات اليمنية المتطرفة وجعلته شعاراً لها في أيديولوجيتيها المناهضة للمسلمين. لذلك تم إقصاؤه من إحدى المهام الموكلة له في مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدين، وقد كشف هيجسيث ذلك في كتابه.
وربما يتفق ذلك مع ما قاله الرجل في كتابه. فهو يرى أن محاربي الولايات المتحدة تمت خيانتهم من قبل الجناح اليساري في البلاد. وأنه يجب أن يعود الجيش الأمريكي لسابق عهده من القدرة على الفتك والتميز والجدارة، وفقاً لتعبيراته.
كما أن هيجسيث مؤيد قوي لإسرائيل ولحربها الحالية ضد قطاع غزة. وله موقف واضح في دعم اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني عام 2020. كما دعا بلاده إلى قصف إيران بشكل مباشر. كذلك كان الرجل داعياً إلى قصف المملكة العربية السعودية عام 2019. تعقيباً منه على الحادثة المعروفة إعلامياً باسم اعتداء فلوريدا، حين أطلق السعودي محمد الشمري النار على جنود أمريكيين في قاعدة جوية للبحرية الأمريكية في فلوريدا، مما أدى لمقتل ثلاثة جنود أمريكيين.
تلك الدعوات المباشرة للصدام مع الجميع ستجعل من وجود هيجسيث على رأس وزارة الدفاع، في تلك الفترة التي يشتعل فيها الشرق الأوسط، مغامرة كبيرة. لذلك من المتوقع أن يلقى الأمر معارضة من الجميع حتى اللحظة الأخيرة.
وحتى إذا تم تثبيت تعيين الرجل، فربما تتأثر سياساته برؤية ترامب الرامية لإنهاء الصراعات والانشغال بجني أموال الدول الراغبة في الحماية الأمريكية، واستغلال تلك الأموال في تحقيق مكاسب داخلية بإحداث رفاه اجتماعي سريع. وربما تحدث المفاجأة، ويفرض هو رؤيته على ترامب. ستحمل الأيام المقبلة بالتأكيد مزيداً من المفاجآت للجميع، وستؤكد مخاوف البعض، وتثبت خطأ مخاوف آخرين.
# الولايات المتحدة الأمريكية # الجيش الأمريكي # دونالد ترامب